للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما تناقضهم في التفصيل، فنذكر منه طرفًا يسيرًا (١) يدل على ما وراءه من قياسِهم في المسألة قياسًا، وتركِهم فيها مثلَه أو ما هو أقوى منه، أو تركِهم نظيرَ ذلك القياس أو أقوى منه في مسألة أخرى، لا فرق بينهما البتة.

فمن ذلك: أنهم أجازوا الوضوء بنبيذ التمر، وقاسوا في أحد القولين عليه سائر الأنبذة، وفي القول الآخر لم يقيسوا عليه. فإن كان هذا القياس حقًّا فقد تركوه، وإن كان باطلًا فقد استعملوه، ولم يقيسوا عليه الخلَّ ولا فرق بينهما. وكيف كان نبيذ التمر «تمرةٌ طيبةٌ وماءٌ طهورٌ» (٢)، ولم يكن الخلُّ «عنبةٌ طيبةٌ وماءٌ طهورٌ»، والمرَقُ «لحمٌ طيِّبٌ وماءٌ طهور» (٣)؟، ونقيع المشمش والزبيب كذلك!

فإن ادعوا الإجماع على عدم الوضوء بذلك، فليس فيه إجماع، فقد قال الحسن بن صالح بن حَيّ وحميد بن عبد الرحمن: يجوز الوضوء بالخَلِّ (٤). وإن كان الإجماع كما ذكرتم، فهلَّا قِستم المنعَ من الوضوء


(١) قارن هذا الفصل بكتاب «الإحكام»: «فصل في ذكر طرفٍ يسيرٍ من تناقض أصحاب القياس في القياس ... » (٨/ ٤٨ - ٧٦).
(٢) يشير إلى حديث ابن مسعود الذي أخرجه الترمذي وغيره، وقد سبق تخريجه.
(٣) في النسخ المطبوعة: «لحمًا طيبًا وماءً طهورًا» ومن قبل أيضًا أثبت فيها لفظ «طهورًا» ولعل ذلك تغيير من الناشرين الذين ذهب عليهم أن الإعراب هنا على الحكاية.
(٤) لم أقف على قولهما. وفي «المحلَّى» (١/ ١٩٥ - دار الفكر) عن حُميد صاحب الحسن بن [صالح] بن حي أن «نبيذ التمر خاصة يجوز الوضوء به والغسل المفترض في الحضر والسفر، وجد الماء أو لم يوجد. ولا يجوز ذلك بغير نبيذ التمر». وهذا مخالف لما نقله المصنف عنهما.