للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُؤمِنك أن يكون قد أخطأ فيما قلَّدتَه فيه وخالفه فيه غيره؟ فإن قال: وإن أخطأ فهو مأجور، قيل: أجل هو مأجور لاجتهاده، وأنت غير مأجور لأنك لم تأتِ بموجب الأجر، بل قد فرَّطتَ في الاتباع الواجب، فأنتَ إذًا مأزور. فإن قال: كيف يأجره الله على ما أفتى به ويمدحه عليه ويذمُّ المستفتيَ على قبوله منه؟ وهل يُعقل هذا؟ قيل: المستفتي إن قصَّر وفرَّط في معرفة الحق مع قدرته عليه لحِقَه الذمُّ والوعيد، وإن بذل جهده ولم يقصر فيما أمر به واتقى الله ما استطاع فهو مأجور أيضًا، وأما المتعصب الذي جعل قول متبوعه عِيارًا على الكتاب والسنة وأقوال الصحابة يزِنها بها (١)، فما وافق قولَ متبوعه منها قبله وما خالفه ردَّه، فهذا إلى الذمّ والعقاب أقرب منه إلى الأجر والثواب. وإن قال ــ وهو الواقع ــ: اتبعتُه وقلّدته ولا أدري أعلى صواب هو أم لا، فالعهدة على القائل، وأنا حاكٍ لأقواله، قيل له: فهل تتخلَّص بهذا من الله عند السؤال لك عما حكمت به بين عباد الله وأفتيتهم به، فوالله إن للحكّام والمفتين لموقفًا للسؤال لا يتخلَّص فيه إلا من عَرَف الحقّ وحكم به وعرفَه وأفتى به، وأما من عداهما فسيعلم عند [٢٦/ب] انكشاف الحال أنه لم يكن على شيء.

الوجه الحادي والثلاثون: أن نقول: أخذتم بقول فلان؛ لأنّ فلانًا قاله أو لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله؟ فإن قلتم: «لأن فلانا قاله» جعلتم قول فلان حجة، وهذا عين الباطل، وإن قلتم: «لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله» كان هذا أعظم وأقبح؛ فإنه مع تضمُّنه للكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقويلكم عليه (٢) ما لم يقله، وهو أيضًا كذبٌ على المتبوع فإنه لم يقل: هذا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد دار


(١) كذا في النسخ، توهُّمًا أن العيار بمعنى الميزان مؤنث، وليس كذلك.
(٢) ع: «تقولكم إليه».