للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان كذلك فالنبي - صلى الله عليه وسلم - منع بلالًا من أخذ مدٍّ بمدَّينِ (١) لئلا يقع في الربا، ومعلوم أنه لو جوز له ذلك [٧٨/ب] بحيلة لم يكن في منعه من بيع مدين بمد فائدةٌ أصلًا، بل كان بيعه كذلك أسهل وأقل مفسدة من مِرْبَط (٢) الحيلة الباردة التي لا تُغني من المفسدة شيئًا، وقد نبّه على هذا بقوله في الحديث: «لا تفعَلْ، أُوَّهْ، عينُ الربا» (٣)، فنهاه عن الفعل، والنهي يقتضي المنع بحيلة أو غير حيلة؛ لأن المنهي عنه لا بدّ أن يشتمل على مفسدة لأجلها ينهى عنه، وتلك المفسدة لا تزول بالتحيُّل (٤) عليها بل تزيد، وأشار إلى المنع بقوله: «عينُ الربا»، فدلّ على أن المنع إنما كان لوجود حقيقة الربا وعينه، وأنه لا تأثير للصورة المجردة مع قيام الحقيقة؛ فلا تُهمِل قوله: «عين الربا»، فتحت هذه اللفظة ما يشير إلى أن الاعتبار بالحقائق، وأنها هي التي عليها المعوَّل، وهي محلُّ التحليل والتحريم، والله سبحانه لا ينظر إلى صورها وعباراتها التي يكسوها إياها العبد، وإنما ينظر إلى حقائقها وذواتها (٥)، وبالله التوفيق.

فصل

وأما تمسكهم بجواز المعاريض وقولهم: «إن الحيل معاريضُ فعلية


(١) رواه البخاري (٢٣١٢) ومسلم (١٥٩٤) عن أبي سعيد الخدري.
(٢) كذا في د مهملة، وفي ز: «بربط». وفي المطبوع: «توسط». والمِربط: ما تُربط به الدواب، والمقصود هنا الذريعة والوسيلة.
(٣) قاله لبلال كما في الحديث المذكور آنفًا.
(٤) ز: «بالحيل».
(٥) ز: «دورانها».