للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحد من الناس؟ ومن له مُسْكةٌ من عقلٍ وإن بُلِي بالسرقة فإنه لا يرضى لنفسه بدعوى هذا البهت والزور، ويا لله وللعقول! أيعجِزُ سارق قطُّ عن التكلم بهذا البهتان ويتخلّص من قطع اليد؟ فما معنى شَرْعِ قطع يد السارق ثم إسقاطه بهذا الزور والبهتان؟

وكذلك إذا غصَبَه (١) شيئًا فادّعاه المغصوبُ منه، فأنكر، فطلب تحليفه، قالوا: فالحيلة في إسقاط اليمين عنه أن يُقِرَّ به لولده الصغير فتسقط عنه اليمين ويفوز بالمغصوب. وهذه حيلة باطلة في الشرع كما هي محرمة في الدين، بل المُقَرُّ له إن كان كبيرًا صار هو الخصم في ذلك، وتوجهتْ عليه اليمين، وإن كان صغيرًا توجهت اليمين على المدعى عليه، فإن نكلَ قُضِي به للمدعي، وغُرم قيمته لمن أقرَّ له به؛ لأنه بنكوله قد فوَّته عليه.

وكذلك إذا جرح رجلًا، فخشي أن يموت من الجرح، فدفع إليه دواء مسمومًا فقتله، قال أرباب الحيل: يسقط عنه القصاص. وهذا خطأ عظيم، بل يجب عليه القصاص بقتله بالسُّم، كما يجب عليه بقتله بالسيف، ولو أسقط الشارع القتلَ عمن قتل بالسم لما عَجزَ قاتلٌ عن قتل من يريد قتله به آمنًا؛ إذ قد علم أنه لا يجب عليه القَوَد، وفي هذا من فساد العالم ما لا تأتي به شريعة.

وكذلك إذا أراد إخراج زوجته من الميراث في مرضه، وخاف أن الحاكم يُورِّث المبتوتةَ، قالوا: فالحيلة أن يُقِرَّ أنه كان طلَّقها ثلاثًا. وهذه حيلة محرمة باطلة لا يحل تعليمها، ويفسق من علَّمها المريضَ، ويستحق


(١) كذا في النسختين، وهو صواب. يقال: غَصَبَه مالَه وغَصبَ منه مالَه. وفي المطبوع: «غصب».