للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمثال الذهول أن يحلف أنه لا يفعل شيئًا هو معتاد لفعله، فيغلب عليه الذهول والغفلة فيفعله.

والفرق بين هذا وبين الناسي أن الناسي يكون قد غابت عنه اليمين بالكلية، فيفعل المحلوف عليه ذاكرًا له عامدًا لفعله، ثم يتذكر أنه كان قد حلف على تركه. وأما الغافل والذاهل واللاهي فليس بناسٍ ليمينه، ولكنه لَهِيَ عنها أو ذَهَل، كما يذهَل الرجل عن الشيء في يده أو حِجْره بحديثٍ أو نظرٍ إلى شيء أو نحوه كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس: ٨ - ١٠].

يقال (١): لَهِيَ عن الشيء يلهَى كغَشِي يغشَى إذا غفل عنه، ولَها به يلهو إذا لعب. وفي الحديث: «فلَهِيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء كان في يديه» (٢) أي اشتغل به، ومنه الحديث الآخر: «إذا استأثَر الله بشيء فَالْهَ عنه» (٣). وسئل الحسن عما يجده الرجل من البِلَّة بعد الوضوء والاستنجاء، فقال: «الْهَ عنه» (٤). وكان ابن الزبير إذا سمع صوتَ الرعد لَهِي عن حديثه (٥). وقال


(١) اعتمد المؤلف في شرح هذه المادة وذكر شواهدها على «النهاية» لابن الأثير (٤/ ٢٨٢ - ٢٨٣).
(٢) لم أجده مسندًا، وهو من حديث سهل بن سعد في «النهاية» (٤/ ٢٨٣).
(٣) لم أجده مسندًا. وهو في «النهاية» (٤/ ٢٨٣).
(٤) رواه أبو عبيد في «غريب الحديث» (٤/ ٣٠٣).
(٥) رواه أبو عبيد في المصدر السابق (٤/ ٣٠٢ - ٣٠٣). ورواه بدون لفظ الشاهد مالك (٢/ ٩٩٢) والبخاري في «الأدب المفرد» (٧٢٣) وأبو داود في «الزهد» (٣٧١) وابن أبي شيبة (٢٩٨٢٤) والبيهقي (٣/ ٣٦٢) من طريق عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان الذي سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ثم يقول: إن هذا لوعيدٌ لأهل الأرض شديد. وإسناده صحيح، صححه النووي في «المجموع» (٥/ ٩٣) وابن الملقن في «تحفة المحتاج» (ص ٥٦٧) والعيني في «العلم الهيب» (٤١٣).