للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

إذا عُرِف هذا فنقول: المكره قد أتى باللفظ المقتضي للحكم، ولم يثبت عليه حكمه لكونه غير قاصد له، وإنما قصد دفع الأذى عن [٤١/ب] نفسه، فانتفى الحكم لانتفاء قصده وإرادته لموجب اللفظ؛ فعُلِم أن نفس اللفظ ليس مقتضيًا للحكم اقتضاءَ الفعل لأثره، فإنه لو قتل أو غصب أو أتلف أو نجَّس المائع مكرَهًا لم يمكن أن يقال: إن ذلك القتل أو الإتلاف أو التنجيس فاسد أو باطل، كما لو أكل أو شرب أو سَكِر لم يقل: إن ذلك فاسد، بخلاف ما لو حلف أو نذر أو طلّق أو عقد عقدًا حكميًّا. وهكذا المحتال الماكر المخادع؛ فإنه لم يقصد الحكم المقصود بذلك اللفظ الذي احتال به، وإنما قصد معنى آخر فقصد الربا بالبيع والتحليل بالنكاح والحنث بالخلع، بل المكره قصدُه دفع الظلم عن نفسه، وهذا قصده التوسل إلى غرض رديء؛ فالمحتال والمكره يشتركان في أنهما لم يقصدا بالسبب حكمه ولا باللفظ معناه، وإنما قصدا (١) التوسل بذلك اللفظ وبظاهر ذلك السبب إلى شيء آخر غير حكم السبب، لكن أحدهما راهبٌ قصدُه دفع الضرر، ولهذا يُحمد أو يُعذر على ذلك، والآخر راغبٌ قصدُه إبطال حق وإيثار باطل، ولهذا يُذمّ على ذلك؛ فالمكره يُبطِل حكم السبب فيما عليه وفيما له لأنه لم يقصد واحدًا منهما، والمحتالُ يبطل حكم السبب فيما احتال عليه، وأما فيما سواه فيجب فيه التفصيل.

وههنا أمر لا بدّ منه، وهو أن من ظهر لنا أنه محتال فكمن ظهر لنا أنه


(١) د: «قصد».