للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما المقدمة الثانية فكون اللفظ صريحًا أو كنايةً أمر يختلف باختلاف عرف المتكلم والمخاطب [٢٤٨/أ] والزمان والمكان. فكم من لفظ صريحٌ عند قوم، وليس بصريح عند آخرين، وفي مكان دون مكان، وزمان دون زمان. فلا يلزم من كونه صريحًا في خطاب الشارع أن يكون صريحًا عند كلِّ متكلِّم، وهذا ظاهر.

والمقصود: أن قوله: «الإجارةُ (١) نوعٌ من البيع» إن أراد به البيع الخاصَّ فباطل، وإن أراد به البيع العامَّ فصحيح. ولكن قوله: «إن هذا البيع لا يرد على معدوم» دعوى باطلة، فإن الشارع جوَّز المعاوضة العامَّة على المعدوم. فإن قستم بيع المنافع على بيع الأعيان فهذا قياس في غاية الفساد، فإن المنافع لا يمكن أن يعقد عليها في حال وجودها البتة، بخلاف الأعيان. وقد فرَّق بينها الحسُّ والشرعُ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يؤخَّر العقد على الأعيان التي لم تُخلق إلى أن تخلق، كما نهى عن بيع السنين، وحَبَل الحَبَلة، والثمر قبل أن يبدو صلاحه (٢)، والحبِّ حتى يشتدَّ (٣)، ونهى عن الملاقيح والمضامين (٤)، ونحو ذلك. وهذا يمتنع مثله في المنافع، فإنه لا يمكن أن تباع إلا في حال عدمها.


(١) في النسخ المطبوعة: «إن الإجارة» بزيادة «إن».
(٢) سبق تخريج كلِّ ذلك.
(٣) رواه أحمد (١٣٣١٤، ١٣٦١٣)، وأبو داود (٣٣٧١)، والترمذي (١٢٢٨) ــ وقال: «حسنٌ غريبٌ» ــ، وابن ماجه (٢٢١٧) من حديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعا. وصححه ابن حبان (١٨٨٩)، والحاكم (٢/ ١٩)، وابن النحوي في «البدر المنير» (٦/ ٥٣٠، ٥٨١). وأورده الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (٥/ ٣٠٥ - ٣٠٧). ويُنظر: «السنن الكبير» للبيهقي (٥/ ٣٠٣)، و «معرفة السنن والآثار» له (٤/ ٣٢٨).
(٤) سبق تخريجه.