للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبدَه في الدنيا والآخرة. ولهذا ترى الصادقَ من أثبت الناس وأشجعهم قلبًا، والكاذبَ من أمهَن الناس وأجبَنهم، وأكثرهم تلوُّنًا وأقلِّهم ثباتًا.

وأهلُ الفراسة يعرفون صدقَ الصادق من ثبات قلبه وقتَ الاختبار (١) وشجاعته ومهابته، ويعرفون كذب الكاذب بضدِّ ذلك، ولا يخفى ذلك إلا على ضعيف البصيرة. وسئل بعضهم عن كلامٍ سمعه من متكلِّم به، فقال: والله ما فهمتُ منه شيئًا، إلا أنِّي رأيتُ لكلامه صولةً ليست بصولة مبطِل (٢).

فما مُنِح العبد منحةً أفضلَ من منحة القول الثابت. ويجد أهلُ القول الثابت ثمرتَه أحوجَ ما يكونون إليه في قبورهم ويوم معادهم، كما في "صحيح مسلم" (٣) من حديث البراء بن عازب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر.

وقد جاء هذا مبيَّنًا في أحاديث صحاح. فمنها: ما في "المسند" (٤) من حديث داود بن أبي هند، عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيد قال: كنَّا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة، فقال: "يا أيها الناس إن هذه الأمة تُبتلَى في قبورها، فإذا الإنسان دُفِن وتفرَّق عنه أصحابه جاءه ملَكٌ بيده مِطراقٌ، فأقعده، فقال: ما تقول في


(١) كذا في جميع النسخ إلا ع إذ سقط منها: "من ثبات ... ومهابته". وفي طبعة الشيخ محمد محيي الدين: "الإخبار" وهو أشبه.
(٢) حكى القشيري في رسالته (٢/ ٥٧٢) أن أبا العباس ابن سريج الفقيه حضر مجلس الجنيد، وسمع كلامه، فسئل عنه، فقال.
(٣) برقم (٢٨٧١)، وأخرجه البخاري (٤٦٦٩).
(٤) برقم (١١٠٠٠). وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (٤/ ١٩٤)، والسيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٥٢٧). وقال ابن كثير في "التفسير" (٤/ ٤٩٨): "إسنادٌ لا بأس به".