للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واقتناه (١)، وأنفق منه= فقد غَنِم. ومن حُرِمَه فقد حُرِم. وذلك أن العبد لا يستغني عن تثبيت الله له طرفةَ عين، فإن لم يثبِّته وإلا (٢) زالت سماءُ إيمانه وأرضُه عن مكانهما. وقد قال تعالى لأكرمِ خلقه عليه عبدِه ورسولِه: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: ٧٤]. وقال تعالى (٣): {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: ١٢]. وفي "الصحيحين" (٤) من حديث التجلِّي قال: "وهو يسألهم ويثبِّتهم". وقال تعالى لرسوله: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: ١٢٠].

فالخلق كلّهم قسمان: موفَّق بالتثبيت، ومخذول بترك التثبيت. ومادة التثبيت أصله ومنشؤه من القولِ الثابتِ وفعلِ ما أُمِرَ به العبد، فبهما يثبِّت الله عبدَه، فكلُّ من كان أثبت قولًا وأحسن فعلًا كان أعظم تثبيتًا. قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ [١٠٤/أ] بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: ٦٦]. فأثبَتُ الناس قلبًا أثبَتُهم قولًا. والقول الثابت هو القول الحق والصدق، وهو ضد القول الباطل الكذب؛ فالقول نوعان: ثابت له حقيقة، وباطل لا حقيقة له. وأثبَتُ القولِ كلمة التوحيد ولوازمها، فهي أعظم ما يثبِّت الله بها


(١) في النسخ المطبوعة: "واقتناءه"، والرسم محتمل.
(٢) "وإلا" واقعة هنا في غير موقعها، فإن المعنى: فإن لم يثبِّته زالت. وقد سبق مثله قريبًا، فانظر ما علَّقت عليه.
(٣) في النسخ المطبوعة بعده زيادة: "لأكرم خلقه".
(٤) لم يرد فيهما هذا اللفظ. وقد أخرجه الإمام أحمد (٨٨١٧) والترمذي (٢٥٥٧) ــ وصحّحه ــ من حديث أبي هريرة، وفيهما: "وهو يأمرهم ويثبِّتهم". واللفظ المذكور هنا ورد في "مجموع الفتاوى" (٢/ ٣٤٢) و (١٧، ٣٠٩).