للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضربه بأن قالوا للسلطان: إنه يحلُّ عليك أيمانَ البيعة بفتواه أن يمين المُكْره لا تنعقد، وهم يحلفون مُكرَهين غير طائعين، فمنعه السلطان، فلم يمتنع لِما أخذه الله من الميثاق على من آتاه علمًا أن يبيِّنه للمسترشدين. ثم تلاه على أَثرِه محمد بن إدريس الشافعي، فوَشَى به أعداؤه إلى الرشيد أنه يحلُّ أيمان البيعة بفتواه أن اليمين بالطلاق قبل النكاح لا تنعقد، ولا تطلُق إن تزوَّجها الحالف، وكانوا يحلِّفونهم في جملة الأيمان «وإن كلّ امرأة أتزوَّجها فهي طالق». وتلاهما على آثارهما شيخ الإسلام فقال حُسَّاده: هذا ينقض عليكم أيمانَ البيعة. فما فَتَّ ذلك في عضد أئمة الإسلام، ولا ثَنَى عنه عَزَماتِهم في الله وهِمَمَهم، ولا صدَّهم ذلك عما أوجب الله سبحانه عليهم اعتقادَه والعملَ به من الحقّ الذي أدَّاهم إليه اجتهادهم، بل مَضَوا لسبيلهم، وصارت أقوالهم أعلامًا يَهتدي بها المهتدون، تحقيقًا لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: ٢٤].

[١٧٢/ب] فصل

ومن له اطلاع وخبرةٌ وعناية بأقوال العلماء يعلم أنه لم يزل في الإسلام من عصر الصحابة مَن يفتي في هذه المسألة بعدم اللزوم، وإلى الآن.

فأما الصحابة فقد ذكرنا فتاواهم في الحالف (١) بالعتق بعدم اللزوم، وأن الطلاق أولى منه، وذكرنا فتوى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بعدم لزوم اليمين بالطلاق، وأنه لا مخالفَ له من الصحابة.

وأما التابعون فذكرنا فتوى طاوس بأصحِّ إسناد عنه، وهو من أجلِّ


(١) ك، ب: «الحلف».