للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه مذهبان (١) كما سبق، وبيَّنَّا مأخذهما. والصحيح أنه يلزمه، لأنه المستطاع من تقوى الله تعالى المأمور بها كلُّ أحد. وتقدَّم أنه إذا اختلف عليه مفتيان: أورع، وأعلم (٢)، فأيُّهما يجب تقليده؟ فيه ثلاثة مذاهب سبق توجيهها.

وهل يلزم العامِّيَّ أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟ فيه مذهبان:

أحدهما: لا يلزمه. وهو الصواب المقطوع به، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يُوجِب الله ورسوله (٣) على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة، فيقلِّدَه دينَه دون غيره، وقد انطوت القرون الفاضلة مبرَّأةً، مبرَّأً أهلُها من هذه النسبة. بل لا يصح للعامِّيِّ مذهبٌ ولو تمذهب به. فالعامّي لا مذهب له، لأن المذهب إنما يكون لمن له نوعُ نظر واستدلال وبصر (٤) بالمذاهب على حسبه، أو لمن قرأ كتابًا في فروع ذلك المذهب، وعرف فتاوى إمامه وأقواله. وأما من لم يتأهَّل لذلك البتة، بل قال: أنا شافعي، أو حنبلي، أو غير ذلك، لم يصِرْ كذلك بمجرَّد القول؛ كما لو قال: أنا فقيه، أو نحوي، أو كاتب، لم يصِر كذلك بمجرَّد قوله.

يوضِّحه أن القائل إنه شافعي أو مالكي أو حنفي يزعم أنه متَّبع لذلك الإمام، سالك طريقه، وهذا إنما يصح له إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة


(١) ب: «وجهان».
(٢) في النسخ المطبوعة: «أحدهما أورع والآخر أعلم».
(٣) في النسخ المطبوعة: «ولا رسوله».
(٤) في النسخ المطبوعة: «واستدلال ويكون بصيرًا».