للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له أن يفتي نفسه بالرخصة، وغيرَه بالمنع. ولا يجوز له إذا كان في المسألة قولان: [٢٠٤/أ] قول بالجواز وقول بالمنع، أن يختار لنفسه قولَ الجواز، ولغيره قولَ المنع. وسمعت شيخنا يقول: سمعت بعض الأمراء يقول عن بعض المفتين من أهل زمانه: يكون عندهم في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها الجواز، والثاني المنع، والثالث التفصيل، فالجواز لهم، والمنع لغيرهم وعليه العمل.

الفائدة الثامنة والعشرون: لا يجوز للمفتي أن يعمل بما يشاء (١) من الأقوال والوجوه، من غير نظر في الترجيح، ولا يعتدّ به، بل يكتفي في العمل بمجرَّد كون ذلك قولًا قاله إمام، أو وجهًا ذهب إليه جماعة، فيعمل بما يشاء من الوجوه والأقوال: حيث رأى القول وفقَ إرادته وغرضه عمِلَ به، فإرادتُه وغرضُه هو العِيار (٢)، وبها الترجيح؛ وهذا حرامٌ باتفاق الأمة (٣).

وهذا مثلُ ما حكى القاضي أبو الوليد الباجي (٤) عن بعض أهل زمانه


(١) في المطبوع: «شاء» هنا وفيما يأتي.
(٢) في المطبوع: «المعيار»، وهما بمعنى.
(٣) انظر: «أدب المفتي والمستفتي» (ص ١٢٥).
(٤) في كتابه «التبيين لسنن المهتدين»، ومنه نقل الشاطبي في «الموافقات» (٥/ ٩٠). أما المؤلف فهو صادر عن «أدب المفتي والمستفتي» (ص ١٢٥).