للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في السنة أفتى فيها بما أفتى به الصحابة (١)؟ والله يشهد (٢) عليهم وملائكته، وهم شاهدون على أنفسهم بأنهم إنما يأخذون حكمها من قول من قلّدوه، وإن استبان لهم في الكتاب أو السنة أو أقوال (٣) الصحابة خلافُ ذلك لم يلتفتوا إليه، ولم يأخذوا بشيء منه إلا بقول من قلَّدوه؛ فكتاب عمر من أبطل الأشياء وأكسرِها لقولهم، وهذا كان سَيْر السلف المستقيم وهَدْيهم القويم.

فلما انتهت النوبة إلى المتأخرين ساروا عكس هذا السير، وقالوا: إذا نزلت النازلة بالمفتي أو الحاكم فعليه أن ينظر أولًا: هل فيها اختلاف (٤) أم لا؟ فإن لم يكن فيها اختلاف لم ينظر في كتاب ولا سنة، بل يفتي ويقضي فيها بالإجماع، وإن كان فيها اختلاف اجتهد في (٥) أقرب الأقوال إلى الدليل فأفتى به وحكم به.

وهذا خلاف ما دلَّ عليه حديث معاذ وكتاب عمر وأقوال الصحابة، والذي دلَّ عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة أولى فإنه مقدور مأمور (٦)، فإن عِلْم المجتهد بما دلّ عليه القرآن والسنة أسهلُ عليه بكثير من عِلْمه باتفاق الناس في شرق الأرض وغربها على الحكم. وهذا إن لم يكن متعذرًا فهو أصعب شيء وأشقُّه إلا فيما هو من لوازم الإسلام، فكيف يُحيلنا الله


(١) د: «الصحابة به».
(٢) ع: «شهيد».
(٣) «أقوال» ليست في د.
(٤) ع: «خلاف».
(٥) ت: «إلى».
(٦) ع: «مأمون».