للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحجة بقوله، فإذا كان يفتي بالصواب تارةً وبغيره أخرى، وكذلك تفسيره، فمن أين لكم أن هذه الفتوى المعيّنة والتفسير المعيّن من قسم الصواب؟ إذ صورة المسألة أنه لم يَقُم على المسألة دليل غير قوله، وقوله منقسم، فما الدليل على أن هذا القول المعيَّن من أحد القسمين ولا بدَّ؟

قيل: الأدلة المتقدمة تدلُّ على انحصار الصواب في قوله في الصورة المفروضة الواقعة، وهو أنه من الممتنع أن يقولوا في كتاب الله الخطأ المحض ويُمسِك الباقون عن الصواب فلا يتكلَّمون به، وهذه الصورة المذكورة وأمثالها قد تكلَّم فيها غيرهم بالصواب، والمحذور (١) إنما هو خلوُّ عصرِهم عن ناطقٍ بالصواب واشتمالُه على ناطقٍ بغيرِه فقط؛ فهذا هو المحال. وبهذا خرج الجواب عن قولكم: لو كان قول الواحد منهم حجةً لما جاز عليه الخطأ، فإن قوله لم يكن بمجرده حجة، بل بما انضاف إليه مما تقدَّم ذكرُه من القرائن.

فإن قيل: فبعض ما ذكرتم من الأدلّة يقتضي أن التابعي إذا قال قولًا ولم يخالفه صحابي ولا تابعي أن يكون قوله حجة.

فالجواب: أن التابعين انتشروا انتشارًا لا ينضبط لكثرتهم، وانتشرت المسائل في عصرهم؛ فلا يكاد يغلب على الظنِّ عدمُ المخالف لما أفتى به الواحد منهم، فإن فُرِض ذلك فقد اختلف السلف في ذلك:

فمنهم من يقول: يجب اتباع التابعي فيما أفتى به ولم يخالفه فيه صحابي ولا تابعي، وهذا قول بعض الحنابلة والشافعية. وقد صرَّح الشافعي


(١) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «والمحظور».