للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سببًا. فمن كمال الشريعة تفريقها بين الدمين في الحكم، كما افترقا في الحقيقة. وبالله التوفيق.

فصل (١)

وأما قوله: «وحرَّم بيعَ مُدِّ حنطة بمُدٍّ وحُفنة، وجوَّز بيعه بقَفيز شعير»، فهذا من محاسن شريعته (٢) التي لا يهتدي إليها إلا أولو العقول الوافرة. ونحن نشير إلى حكمة ذلك إشارةً بحسب عقولنا الضعيفة وعباراتنا القاصرة، وشرعُ الرب تعالى وحكمته فوق عقولنا وعباراتنا، فنقول:

الربا نوعان: جلي وخفي. فالجليُّ حُرِّم لما فيه من الضرر العظيم (٣). والخفيُّ حُرِّم، لأنه ذريعة إلى الجلي. فتحريم الأول قصدًا، وتحريم الثاني وسيلةً.

فأما الجليُّ فربا النسيئة، وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، مثل أن يؤخِّر دينه ويزيده في المال، وكلما أخَّره زاد في المال، حتى تصير المائة عنده آلافًا مؤلفةً. وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدِم محتاج. فإذا رأى أن المستحق يؤخر مطالبته ويصبر عليه بزيادةٍ يبذلها له تكلَّفَ بذلَها ليفتدي من أسر المطالبة والحبس، ويدافع من وقت إلى وقت، فيشتدُّ ضررُه، وتعظمُ مصيبتُه، ويعلوه الدَّينُ حتى يستغرق جميع موجوده. فيربو [٣٣٢/ب] المالُ على المحتاج من غير نفعٍ يحصل له، ويزيد مالُ المرابي من غير نفعٍ يحصل


(١) هذا الفصل وما يليه مأخوذ من تفسير شيخ الإسلام لآية الربا، وهو منشور ضمن «جامع المسائل» (٨/ ٢٧١ - ٣٣٠) و «تفسير آيات أشكلت» (٢/ ٥٧٤ - ٧٠٣).
(٢) ع: «الشريعة»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٣) في «جامع المسائل» (٨/ ٢٨١): «من الضرر والظلم».