للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه لأخيه، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويحصل أخوه على غاية الضرر. فمن رحمة أرحمِ الراحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أن حرَّم الربا، ولعن آكلَه ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وآذَنَ من لم يدَعْه بحربه وحرب رسوله. ولم يجئ مثلُ هذا الوعيد في كبيرة غيره، ولهذا كان من أكبر الكبائر.

وسئل الإمام أحمد عن الربا الذي لا شكَّ فيه فقال: هو أن يكون له دين، فيقول له: أتقضي أم تربي؟ فإن لم يقضِه زاده في المال، وزاده هذا في الأجل (١).

وقد جعل الله سبحانه الربا ضد الصدقة، فالمرابي ضد المتصدِّق. قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: ٢٧٦]. وقال: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: ٣٩]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: ١٣٠ - ١٣١]. ثم ذكر الجنة التي أعدت للذين (٢) ينفقون في السرَّاء والضرَّاء، وهؤلاء ضد المُرابين. فنهى سبحانه عن الربا الذي هو ظلم للناس، وأمر بالصدقة التي هي إحسان إليهم.

وفي «الصحيحين» (٣) من حديث ابن عباس عن أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الربا في النسيئة». ومثل هذا [٣٣٣/أ] يراد به حصرُ الكمال وأن


(١) «جامع المسائل» (٨/ ٢٨١، ٣٠٤).
(٢) في النسخ المطبوعة: «للمتقين الذين».
(٣) البخاري (٢١٧٨) ومسلم (١٥٩٦).