للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥]، وبقوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: ٣] وأمثالها. فدُفِعنا إلى زمانٍ إذا قيل لأحدهم: «ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا وكذا» يقول: من قال بهذا؟ ويجعل هذا دفعًا في صدر الحديث، ويجعل جهله بالقائل به حجةً له في مخالفته وتركِ العمل به. ولو نصَح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل، وأنه لا يحِلُّ له دفعُ سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذا الجهل. وأقبح من ذلك عذره في جهله، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة. وهذا سوءُ ظنٍّ بجماعة المسلمين، إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع، وهو جهلُه وعدمُ علمه بمن قال بالحديث، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة. والله المستعان.

ولا يُعرَف إمامٌ من أئمة الإسلام البتة قال: لا يُعمَل (١) بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يُعرَف مَن عمل به. فإن جهِل مَن بلغه الحديث مَن عمِلَ به لم يحِلَّ له أن يعمل به، كما يقول هذا القائل.

الفائدة الخامسة والخمسون: إذا سئل عن تفسير آية من كتاب الله أو سنةٍ عن رسول الله (٢) - صلى الله عليه وسلم -، فليس له أن يُخرجها عن ظاهرها بوجوه التأويلات الفاسدة لموافقة نِحلته وهواه. ومَن فعل ذلك استحقَّ المنعَ من الإفتاء، والحجرَ عليه. وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرَّح به أئمة الإسلام [٢١٥/أ] قديمًا وحديثًا.


(١) في النسخ المطبوعة: «لا نعمل»، وكذا «حتى نعرف» فيما يأتي.
(٢) في النسخ المطبوعة: «سنة رسول الله».