للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن تأمَّل أجوبة النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه يستفصل حيث تدعو الحاجة إلى الاستفصال، ويتركه حيث لا يحتاج إليه، ويحيل فيه مرةً على ما عُلِم من شرعه ودينه من شروط الحكم وتوابعه. بل هذا كثير في القرآن، كقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤]، وقوله: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠]، وقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥].

ولا يجب على المتكلِّم والمفتي أن يستوعب شرائط الحكم وموانعه كلَّها عند ذكر حكم المسألة، ولا ينفع السائلَ (١) والمتعلِّمَ قولُه «بشرطه، وعدم موانعه» ونحو ذلك، فلا بيانَ أتمُّ من بيان الله ورسوله، ولا هديَ أكملُ من هدي الصحابة والتابعين. وبالله التوفيق.

الفائدة العشرون: لا يجوز للمقلِّد أن يفتي في دين الله بما هو مقلِّد فيه وليس على بصيرة فيه، سوى أنه قولُ من قلَّده دينَه. هذا إجماع من السلف كلِّهم، وصرَّح به أصحاب أحمد والشافعي وغيرهم (٢).

قال أبو عمرو بن الصلاح (٣): قطع أبو عبد الله الحليمي إمام الشافعيين بما وراء النهر والقاضي أبو المحاسن الرُّوياني صاحب «بحر المذهب» وغيرهما بأنه لا يجوز للمقلِّد أن يفتي بما هو مقلِّد فيه.


(١) في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «والمتكلم».
(٢) ز: «وصرَّح به الإمام أحمد والشافعي وغيرهم». وكذا في النسخ المطبوعة بعد تصحيح «وغيرهم».
(٣) في «أدب المفتي والمستفتي» (ص ١٠١).