للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقدامُهم، ولا زكت به عقولُهم وأحلامُهم، ولا ابيضَّت به لياليهم وأشرقت بنوره أيامُهم، ولا ضحكت بالهدى والحقِّ منه وجوهُ الدفاتر إذ بُلَّت بمداده أقلامُهم. أنفقوا في غير شيءٍ نفائسَ الأنفاس، وأتعبوا أنفسَهم وحيَّروا مَن خلفهم من الناس. ضيَّعوا الأصول، فحُرِموا الوصول. وأعرضوا عن الرسالة، فوقعوا في مهامه (١) الحيرة وبيداء الضلالة.

والمقصود: أن العصمة مضمونة في ألفاظ النصوص ومعانيها في أتمِّ بيان وأحسن تفسير. ومن رام إدراكَ الهدى ودين الحق من غير مشكاتها فهو عليه عسيرٌ غيرُ يسير.

فصل

الفائدة العاشرة: ينبغي للمفتي الموفَّق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الافتقارُ الحقيقي الحالي، لا العلمي المجرَّد، إلى مُلهِم الصواب، ومعلِّم الخير، وهادي القلوب=أن يُلهِمه الصوابَ، ويفتح له طريقَ السَّداد، ويدلَّه على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة. فمتى قرَع هذا البابَ فقد قرَع بابَ التوفيق. وما أجدَرَ مِن فضلِ ربِّه (٢) أن لا يَحْرمه إياه. فإذا وجَد مِن قلبه (٣) هذه الهمّةَ، فهي طلائعُ بشرى التوفيق، فعليه أن يوجِّه وجهَه ويحدِّق نظرَه إلى منبع الهدى، ومعدن الصواب، ومطلع الرشد؛ وهو النصوص من القرآن والسنة وآثار الصحابة= فيستفرغَ وسعَه في تعرُّف حكم تلك النازلة منها. فإن ظفِر بذلك أخبر به، وإن اشتبه عليه بادر إلى التوبة والاستغفار والإكثار من ذكر الله.


(١) في المطبوع: «نهاية»، تحريف.
(٢) في النسخ المطبوعة: «أمَّل فضلَ ربِّه»، وكأنَّ بعضهم أنكر السياق فزاد لفظ «أمَّل»!
(٣) في المطبوع: «قبله»، والذي غيَّره صواب محض.