للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وفيه ردٌّ لقول من قال: يكون ابنهما (١) إجراءً للنسب مجرى المال. وفيه أنَّ حكمَ الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته في الباطن. وفيه نوع لطيف عجيب شريف من أنواع العلم النافع، وهو الاستدلال بقدر الله على شرعه. فإن سليمان - صلى الله عليه وسلم - استدلَّ بما قدَّره الله وخلَقه في قلب الصغرى من الرحمة والشفقة بحيث أبت أن يُشَقَّ الولد، على أنه ابنها، وقوَّى هذا الاستدلال رِضا الأخرى بأن يُشَقَّ الولد، وقالت: نعم، شُقَّه. وهذا قول لا يصدر من أم، وإنما يصدر من حاسد يريد أن يتأسَّى بصاحب النعمة في زوالها عنه كما زالت عنه هو. ولا أحسنَ من هذا الحكم وهذا الفهم! وإذا لم يكن مثلُ هذا في الحاكم أضاع حقوق الناس. وهذه الشريعة الكاملة طافحة بذلك.

وجرت في ذلك مناظرة بين أبي الوفاء ابن عقيل وبين بعض الفقهاء (٢)، فقال ابن عقيل: العمل بالسياسة هو الحزم، ولا يخلو منه إمام. وقال الآخر: لا سياسة إلا ما وافق الشرع. فقال ابن عقيل: السياسة ما كان من الأفعال (٣) يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا نزل به وحي. فإن أردت بقولك: «لا سياسة إلا ما وافق الشرع» أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح. وإن أردتَ ما نطق به الشرع (٤)، فغلطٌ


(١) في النسخ المطبوعة: «بينهما».
(٢) نقلها المصنف في «الطرق الحكمية» (١/ ٢٨) من كتاب «الفنون» لابن عقيل. ونقلها أيضًا في «بدائع الفوائد» (٣/ ١٠٨٧).
(٣) بعده في النسخ المطبوعة زيادة: «بحيث».
(٤) يعني: «لا سياسة إلا ما نطق به الشرع»، كما في «الطرق الحكمية».