للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أهل الظاهر من يسلك هذا؟ وهل ذلك إلا من أبرد (١) الظاهرية؟ فإن أهل الظاهر تمسَّكوا بألفاظ النصوص وأجْرَوها على ظواهرها حيث لا يقع القطع بأن المراد خلافها، وأنتم تمسَّكتم بظواهر ألفاظِ غير المعصومين حيث يقع القطع بأن المراد خلافها، فأهل الظاهر أعذرُ منكم بكثير، وكل شبهة تمسَّكتم بها في تسويغ ذلك فأدلة الظاهرية في تمسُّكهم بظواهر النصوص أقوى وأصح.

والله تعالى يحبُّ الإنصاف، بل هو أفضل حلية تحلَّى بها الرجل، خصوصًا من نَصبَ نفسه حكمًا بين الأقوال والمذاهب، وقد قال تعالى لرسوله: {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى: ١٥]، فورثة الرسول منصبهم العدل بين الطوائف وأن لا يميل أحدهم مع قريبه وذي مذهبه وطائفته ومتبوعه، بل الحق مطلوبه، يسير بسيره وينزل بنزوله، يدين بدين العدل والإنصاف ويُحكِّم الحجة، وما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فهو العلم الذي قد شمَّر إليه، ومطلوبه الذي يحوم بطلبه عليه، لا يَثْني عِنانَه عنه عذلُ عاذلٍ، ولا تأخذه فيه لومة لائم، ولا يصدُّه عنه قول قائل.

ومن تدبَّر مصادر الشرع وموارده تبيَّن له أن الشارع ألغى الألفاظ التي لم يقصد المتكلم بها معانيها، بل جرت على غير قصدٍ منه، كالنائم والناسي والسكران والجاهل والمُكْرَه والمخطئ من شدة الفرح أو الغضب أو المرض ونحوهم، ولم يكفِّر من قال من شدة فرحه براحلته بعد يأسه منها: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك» (٢)، فكيف يعتبر الألفاظ التي يُقطع بأن مراد


(١) في المطبوع: «إيراد»، تحريف.
(٢) تقدم تخريجه.