للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان هذا هو الواجب الذي لا يتمُّ الإيمان إلا به، وهو بعينه الواجب علينا وعلى سائر المكلَّفين إلى يوم القيامة. ومعلوم أن هذا الواجب لم يُنسَخ بعد موته، ولا هو مختصٌّ بالصحابة؛ فمن خرج عن ذلك فقد خرج عن نفس ما أوجبه الله ورسوله.

الوجه السادس والعشرون: أن أقوال العلماء وآراءهم لا تنضبط ولا تنحصر، ولم تُضمَن لها العصمة إلا إذا اتفقوا ولم يختلفوا؛ [٢٥/ب] فلا يكون اتفاقهم إلا حقًّا، ومن المحال أن يُحِيلنا الله ورسوله على ما لا ينضبط ولا ينحصر، ولم يَضْمَن لنا عصمته من الخطأ، ولم يُقِم لنا دليلًا على أن (١) أحد القائلين أولى بأن نأخذ قولَه كلَّه من الآخر، بل يُترك قول هذا كلّه ويؤخذ قول هذا كله، هذا محال أن يشرعه الله أو يرضى به، إلا إذا كان أحد القائلينِ رسولًا والآخر كاذبًا على الله، فالفرض حينئذٍ ما يعتمده هؤلاء المقلدون مع متبوعهم ومخالفيهم (٢).

الوجه السابع والعشرون: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ» (٣)، وأخبر أن العلم يقلُّ، فلا بدَّ من وقوع ما أخبر به الصادق، ومعلوم أن كتب المقلِّدين قد طبَّقتْ شرقَ الأرض وغربَها، ولم تكن في وقتٍ قطُّ أكثر منها في هذا الوقت. ونحن نراها كلَّ عامٍ في ازدياد وكثرة، والمقلّدون يحفظون منها ما يمكن حفظه بحروفه، وشهرتها في الناس خلاف الغربة، بل هي المعروف الذي لا يعرفون غيره؛ فلو كانت هي العلم


(١) «أن» ليست في ت.
(٢) ع: «ومخالفهم».
(٣) رواه مسلم (١٤٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.