للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسرُّ المسألة: أنه لا يلزم من الأمر بالتعدُّد في جانب التحمُّل وحفظ الحقوق الأمرُ بالتعدُّد في جانب الحكم والثبوت. فالخبر الصادق لا تأتي الشريعةُ بردِّه أبدًا. وقد ذمَّ اللهُ في كتابه من كذَّب بالحق، وردُّ الخبر الصادق تكذيبٌ بالحق. وكذلك الدلالة الظاهرة لا تُرَدُّ إلا بما هو مثلها أو أقوى منها. والله سبحانه لم يأمر بردِّ خبرِ الفاسق، بل بالتثبُّت والتبيُّن، فإن ظهرت الأدلّة على صدقه [٥٩/ب] قُبِل خبرُه، وإن ظهرت الأدلة على كذبه رُدَّ خبرُه، وإن لم يتبيَّن واحد من الأمرين وُقِفَ خبره. وقد قبِل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خبر الدليل المشرك الذي استأجره ليدلَّه على طريق المدينة في هجرته، لما ظهر له صدقه وأمانته. فعلى المسلم أن يتبع هديَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في قبول الحق ممن جاء به، من وليّ وعدو، وحبيب وبغيض، وبر وفاجر؛ ويردَّ الباطل على من قاله كائنًا من كان.

قال عبد الله بن صالح (١):

ثنا الليث بن سعد، عن ابن عجلان، عن ابن


(١) كذا رواه يحيى بن إبراهيم بن مزين القرطبي عن عبد الله بن صالح [كما في "جامع بيان العلم" لابن عبد البر (١٨٧١)]، وابن مزين وابن صالح صدوقان، لكن فيهما لينٌ، والظاهر أن أحدهما قد قصّر، فرواه من حديث الليث، عن ابن عجلان، عن ابن شهاب، عن معاذ - رضي الله عنه -، ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (١/ ٢٣٢) من طريق الوليد بن مسلم، عن ابن عجلان، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن معاذ به. والمحفوظ المستفيض ما رواه أبو داود (٤٦١١) من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة، عن معاذ به.

وقد رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (٢/ ٣٢٢) ــ ومن طريقه البيهقي في "المدخل" (٨٣٤) ــ عن أبي صالح (وهو عبد الله بن صالح) وابنِ بُكير، عن الليث، عن عقيل به. وللحديث طرق كثيرة إلى ابن شهاب، عن أبي إدريس به.