أحدها: قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}[الأنعام: ٨٣]، فأخبر أنه يرفع درجات من يشاء بعلم الحجة.
وقال في قصة يوسف:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}[يوسف: ٧٦]، فأخبر أنه يرفع درجات من يشاء بالعلم الخفي الذي [٧٤/ب] يتوصَّل به صاحبه إلى المقاصد المحمودة.
وقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة: ١١]، فأخبر أنه يرفع درجات أهل العلم والإيمان.
فصل
النوع الثاني من كيده لعبده المؤمن: هو أن يلهمه سبحانه أمرًا مباحًا أو مستحبًّا أو واجبًا يوصله به إلى المقصود الحسن؛ فيكون على هذا إلهامه ليوسف أن يفعل ما فعل هو من كيده سبحانه أيضًا، وقد دلّ على ذلك قوله:{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}، فإنّ فيها تنبيهًا على أن العلم الدقيق الموصل إلى المقصود الشرعي صفة مدح، كما أن العلم الذي يخصم به المُبطِل صفة مدح؛ وعلى هذا فيكون من الكيد ما هو مشروع، لكن لا يجوز أن يراد به الكيد الذي تُستحلُّ به المحرّمات أو تسقط به الواجبات؛ فإن هذا كيدٌ لله، والله هو الذي يكيد الكائد، ومحال أن يشرع الله سبحانه أن يُكاد دينُه. وأيضًا فإن هذا الكيد لا يتم إلا بفعل يُقصَد به غير مقصوده الشرعي، ومحال أن يشرع الله لعبده أن يقصد بفعله ما لم يشرع الله ذلك الفعل له.