للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليس شيء من البيت مهجورًا، فقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١]، فقال معاوية: صدقتَ (١).

ثم ذكر أحمد الاحتجاج على إبطال قول من عارض السنن بظاهر القرآن وردَّها بذلك.

وهذا فِعْل الذين يستمسكون بالمتشابه في ردّ المحكم، فإن لم يجدوا لفظا متشابهًا غير المحكم يردّونه استخرجوا من المحكم وصفًا متشابهًا وردُّوه به، فلهم طريقان في ردّ السنن؛ أحدهما: ردُّها بالمتشابه من القرآن أو من السنن، الثاني: جعلُهم المحكم متشابهًا ليعطِّلوا دلالته.

وأما طريقة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ــ كالشافعي والإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة وأبي يوسف والبخاري وإسحاق ــ فعكس هذه الطريق، وهي أنهم يردُّون المتشابه إلى المحكم، ويأخذون من المحكم ما يفسِّر لهم المتشابه ويبيِّنه لهم، فتتفق دلالته مع دلالة المحكم، وتوافق النصوص بعضها بعضًا، ويصدّق بعضها بعضًا، فإنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره.

ولنذكر لهذا الأصل أمثلة لشدّة حاجة كل مسلم إليه أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب:


(١) رواه البخاري (١٦٠٨) معلقًا دون قوله: «فقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، فقال معاوية: صدقت»، فهو عند أحمد (١٨٧٧) والطحاوي في «معاني الآثار» (٢/ ١٨٤)، وفي إسناده خصيف ضعيف.