للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

قال أرباب الحيل: قد أكثرتم مِن ذمّ الحيل، وأجلبتم بِخَيل الأدلة ورَجِلها وسمينها ومهزولها، فاسمعوا الآن تقريرها واشتقاقها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وأئمة الإسلام، وأنه لا يمكن أحدًا إنكارُها.

قال الله تعالى لنبيه أيوب عليه السلام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] فأذن لنبيه أيوب أن يتحلَّل من يمينه بالضرب بالضِّغْث (١)، وقد كان نذر أن يضربها [٦٤/أ] ضرباتٍ معدودة، وهي في المتعارف الظاهر إنما تكون متفرقة؛ فأرشده سبحانه إلى الحيلة في خروجه من اليمين. فنقيسُ عليه سائر الباب، ونسمِّيه وجوهَ المخارج من المضايق، ولا نُسمِّيه بالحيل التي يَنفُر الناس من اسمها.

وأخبر تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام (٢) أنه جعل صُواعه في رَحْل أخيه ليتوصَّل بذلك إلى أخذه من إخوته، ومدحه بذلك، وأخبر أنه برضاه وإذنه، كما قال: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦]، فأخبر أن هذا كيده لنبيه وأنه بمشيئته، وأنه يرفع درجة عبده بلطيف العلم ودقيقه الذي لا يهتدي إليه سواه، وأن ذلك من علمه وحكمته.

وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل:


(١) هو كل ما جُمع وقُبض عليه بجُمْع الكفّ ونحوه.
(٢) د: «صلى الله عليه وسلم».