للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥٠]، فأخبر سبحانه أنه مكرَ بمن مكرَ بأنبيائه ورسله، وكثير من الحيل هذا شأنها، يُمكَر بها على الظالم والفاجر ومن يَعْسُر تخليص الحق منه؛ فتكون وسيلةً إلى نصر مظلوم وقهر ظالم ونصر حق وإبطال باطل. والله سبحانه قادر على أخذهم بغير وجه المكر الحسن، ولكن جازاهم بجنس عملهم، وليُعلِم عبادَه أن المكر الذي يُتوصَّل به إلى إظهار الحق ويكون عقوبةً للماكر ليس قبيحًا.

وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢]، وخداعه لهم أن يُظهِر لهم أمرًا ويُبطِن لهم خلافَه. فما تنكرون على أرباب الحيل الذين يُظهِرون أمرًا يتوصَّلون به إلى باطنٍ غيره اقتداءً (١) بفعل الله تعالى؟

وقد روى البخاري في «صحيحه» (٢) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلًا على خيبر، فجاءهم بتمرٍ جَنيبٍ، فقال: «أكلُّ تمْرِ خيبَر هكذا؟» قال: إنّا لنأخذُ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاث، فقال: «لا تفعلْ، بِعِ الجَمْعَ بالدراهم، ثم ابتَعْ بالدراهم جنيبًا»، وقال في الميزان (٣) مثل ذلك. فأرشده إلى الحيلة على التخلُّص من الربا (٤) بتوسط العقد الآخر، وهذا أصلٌ في جواز العِينة.


(١) في النسختين د، ز: «افتوا». والمثبت كما في المطبوع.
(٢) رقم (٢٣٠٢).
(٣) في النسختين: «القرآن». والتصويب من البخاري. قال الحافظ في «الفتح» (٤/ ٤٨١): أي والموزون مثل ذلك، لا يباع رطل برطلين.
(٤) «من الربا» ساقطة من ز.