للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنقيضِ قصودهم موافقةً لشرع الله وحكمته وقدرته.

والمقصود أن هذه الحيل لا يجوز أن تُنسب إلى إمام؛ فإن ذلك قدحٌ في إمامته، وذلك يتضمن القدح في الأمة حيث ائتمَّتْ بمن لا يصلح للإمامة، وهذا غير جائز، ولو فُرِض أنه حُكي عن واحد من الأئمة بعضُ هذه الحيل المُجمَع على تحريمها فإما أن تكون الحكاية باطلة، أو يكون الحاكي لم يضبط لفظه فاشتبه عليه فتواه بنفوذها بفتواه بإباحتها مع بُعْدِ ما بينهما، ولو فُرِض وقوعها منه في وقت ما فلا بدَّ أن يكون قد رجع عن ذلك، وإن لم يُحمَل الأمر على ذلك لزم القدح في الإمام وفي جماعة المسلمين المؤتمِّين به، وكلاهما غير جائز.

ولا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الإذن في التكلُّم بكلمة الكفر لغرضٍ من الأغراض، إلا المُكْرَه إذا اطمأنَّ قلبه بالإيمان. ثم إن هذا على مذهب أبي حنيفة وأصحابه أشدُّ؛ فإنهم لا يأذنون في كلمات وأفعال دون ذلك بكثير، ويقولون: إنها كفر، حتى قالوا: لو قال الكافر لرجل: إني أريد أن أُسلم، فقال: «اصبِرْ ساعة» فقد كفر، فكيف بالأمر بإنشاء الكفر؟ وقالوا: لو قال: «مُسَيجِد»، أو صغّر لفظ المصحف كفر.

فعلمت أن هؤلاء المحتالين الذين يفتون بالحيل التي هي كفر أو حرام ليسوا بمقتدين بمذهب أحد من الأئمة، وأن الأئمة أعلم بالله ورسوله ودينه وأتقى له من أن يفتوا بهذه الحيل.

وقد قال أبو داود في «مسائله» (١): سمعت أحمد وذكر أصحاب


(١) (ص ٣٦٧).