للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشهور، ولعله لو جدَّد النظر لرجع عن قوله الأول.

والثاني: الجواز، وعليه عملُ جميع المقلِّدين في أقطار الأرض. وخيار ما بأيديهم من التقليد تقليد الأموات، ومن منع منهم تقليدَ الميت فإنما هو شيء يقوله بلسانه، وعملُه في فتاويه وأحكامه بخلافه. والأقوال لا تموت بموت قائليها (١)، كما لا تموت الأخبار بموت رواتها وناقليها.

الفائدة الثانية والثلاثون: الاجتهاد حالةٌ تقبل التجزِّي (٢) والانقسام، فيكون الرجل مجتهدًا في نوع من العلم، مقلِّدًا في غيره، أو في باب من أبوابه؛ كمن استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض [٢٠٥/ب] وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم، أو في باب الجهاد أو الحج، أو غير ذلك؛ فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه، ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوِّغةً له الإفتاء بما لا يعلم في غيره.

وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحُّها الجواز، بل هو الصواب المقطوع به. والثاني: المنع. والثالث: الجواز في الفرائض دون غيرها.

فحجة الجواز: أنه قد عرف الحقَّ بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب؛ فحكمه في ذلك النوع (٣) حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع.


(١) في النسخ الخطية والمطبوعة: «قائلها»، ومقتضى قوله: «رواتها وناقليها» ما أثبت.
(٢) مصدر تجزَّى بتسهيل الهمزة، والأصل: التجزُّؤ، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٣) لم ترد كلمة «النوع» في ز.