للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان بإذنه اتفاقًا، وإن كان بغير إذنه ففيه النزاع المعروف؛ فصورة العقد واحدة، وإنما اختلف الحكم بالنية والقصد.

ومن ذلك (١) أن الله سبحانه حرَّم أن يدفع الرجل إلى غيره مالًا ربويًّا بمثله على وجه البيع إلا أن يتقابضا، وجوَّز دفعه بمثله على وجه القرض، وقد اشتركا في أن كلًّا منهما يدفع ربويًّا ويأخذ نظيره، وإنما فرَّق بينهما القصدُ؛ فإن مقصود القرض إرفاق المقترض ونفعه، وليس مقصوده المعاوضة والربح، ولهذا كان القرض شقيقَ العارية كما سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «منيحةَ الورِق» (٢)، فكأنه أعاره الدراهمَ ثم استرجعها منه، لكن لم يمكن استرجاع العين فاسترجع المثل. وكذلك لو باعه درهمًا بدرهمين كان ربًا صريحًا، ولو باعه إياه بدرهم ثم وهبه درهمًا آخر جاز، والصورة واحدة، وإنما فرَّق بينهما القصدُ، فكيف يمكن أحدًا أن يلغي القصودَ في العقود ولا يجعل لها اعتبارًا؟

فصل

فإن قيل: قد أطلتم الكلام في مسألة القصود في العقود، ونحن نحاكمكم إلى القرآن والسنة وأقوال الأئمة، قال الله تعالى حكاية عن نبيه نوح: {وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [هود: ٣١]، فرتَّب الحكم على ظاهر إيمانهم، [٣٤/أ]


(١) كما في «بيان الدليل» (ص ٩٩، ١٠٠).
(٢) رواه أحمد (١٨٦٦٥) والترمذي (١٩٥٧) من حديث البراء، وصححه الترمذي وابن حبان (٥٠٩٦).