للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظاهر لفظه مخالفة ظاهرة (١) بينة. فهذا الحديث أصل لهذه القاعدة، وقد قبِلَ منه في الحكم، وديَّنه فيما بينه وبين الله، فلم يقضِ عليه بما أظهر من لفظه لما أخبره بأن نيته وقصده كان خلاف ذلك.

وأما قوله (٢): «إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبطل في حكم الدنيا استعمالَ الدلالة التي لا يوجد أقوى منها» يعني دلالة الشبه، فإنما أبطلها بدلالة أقوى منها وهي اللعان، كما أبطلها مع قيام دلالة الفراش، واعتبرها حيثُ لم يعارضها مثلُها ولا أقوى منها في إلحاق الولد بالقافة [٤٣/ب] وهي دلالة الشبه، فأين في هذا إلغاء الدلالات والقرائن مطلقًا؟

وأما قوله: «إنه لم يحكم في المنافقين بحكم الكفر مع الدلالة التي لا أقوى منها وهي خبر الله سبحانه عنهم وشهادته عليهم»، فجوابه: أن الله سبحانه لم يُجرِ أحكام الدنيا على علمه في عباده، وإنما أجراها على الأسباب التي نصَبَها أدلة عليها، وإن علم سبحانه أنهم مُبطِلون فيها مُظهِرون لخلاف ما يُبطِنون، وإذا أطلع الله رسولَه (٣) على ذلك لم يكن ذلك مناقضًا لحكمه الذي شرعه ورتّبه على تلك الأسباب، كما رتَّب على المتكلم بالشهادتين حكمَه وأطلع رسولَه وعبادَه المؤمنين على أحوال كثير من المنافقين وأنهم لم يطابق قولُهم اعتقادَهم.

وهذا كما أجرى حكمه على المتلاعنين ظاهرًا، ثم أطلع رسوله


(١) «ظاهرة» ليست في ز.
(٢) أي قول الشافعي الذي سبق ذكره (ص ٥٨٦)، ويستمر المؤلف في مناقشة كلامه في الفقرات الآتية.
(٣) ز: «ورسوله».