للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان هذا الوجه وحده كافيًا في دفع كلِّ شبهة وجواب كلِّ سؤال. وهذا غير الطريق التي سلكها نفاة الحِكَم والتعليل، ولكن مع هذا فنتصدَّى للجواب المفصَّل، بحسب الاستعداد، وما يناسب علومنا الناقصة، وأفهامنا الجامدة، وعقولنا الضعيفة، وعباراتنا القاصرة. فنقول وبالله التوفيق:

أما قوله: «كيف تردعون عن سفك الدم بسفكه، وإن ذلك كإزالة النجاسة بالنجاسة»، سؤالٌ في غاية الوهن والفساد، وأول ما يقال لسائله: هل ترى ردعَ المفسدين والجناة عن فسادهم وجناياتهم وكفَّ عدوانهم مستحسنًا في العقول موافقًا لمصالح العباد، أو لا تراه كذلك؟ فإن قال: «لا أراه كذلك» كفانا مؤنة جوابه بإقراره على نفسه بمخالفة جميع طوائف بني آدم، على اختلاف مللهم ونِحَلهم [٣١١/أ] ودياناتهم وآرائهم. ولولا عقوبة الجناة والمفسدين لأهلك الناسُ بعضُهم بعضًا، وفسد نظام العالم، وصارت حالُ الدواب والأنعام والوحوش أحسنَ من حال بني آدم.

وإن قال (١): «بل لا تتمُّ المصلحة إلا بذلك» قيل له: من المعلوم أن عقوبة الجناة والمفسدين لا تتم إلا بمؤلمٍ يردعهم، ويجعل الجاني نكالًا وعظةً لمن يريد أن يفعل مثل فعله. وعند هذا فلا بد من إفساد شيء منه بحسب جريمته في الكبر والصغر والقلة والكثرة. ومن المعلوم ببدائه العقول أن التسوية في العقوبات مع تفاوت الجرائم غير مستحسن، بل منافٍ للحكمة والمصلحة. فإنه إن ساوى بينها في أدنى العقوبات لم تحصل مصلحة الزجر، وإن ساوى بينها في أعظمها كان خلاف الرحمة والحكمة؛


(١) زاد بعده في المطبوع: «قائل»!