للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلمَ بما يبلغ والصدقَ فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية (١) والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق؛ فيكون عالمًا بما يبلِّغ، صادقًا فيه. ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضيَّ السيرة، عدلًا في أقواله وأفعاله، متشابه السرِّ والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله. وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحلِّ الذي لا يُنكَر فضله، ولا يُجهَل قدرُه، وهو من أعلى المراتب السنيَّات، فكيف بمنصب التوقيع (٢) عن ربِّ الأرض والسماوات؟

فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن [٦/أ] يُعِدَّ له عُدَّته، وأن يتأهَّب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه. ولا يكن في صدره حرجٌ من قول الحق والصدع به، فإن الله ناصره وهاديه. كيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه ربُّ الأرباب، فقال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} [النساء: ١٢٧]. وكفى بما تولّاه الله بنفسه تعالى شرفًا وجلالةً، إذ يقول في كتابه: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: ١٧٦]. وَلْيعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وَلْيوقن أنه مسؤول غدًا وموقوف بين يدي الله.

فصل

وأول من قام بهذا المنصب الشريف: سيد المرسلين، وإمام المتقين،


(١) س، ت: "والرواية".
(٢) ع: "فكيف بالتوقيع".