للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما الأول فمن وجوه (١):

أحدها (٢): ما احتجَّ به مالك، وهو قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ١٠٠]. فوجه الدليل (٣) أن الله تعالى أثنى على من اتبعهم، فإذا قالوا قولًا فاتبعهم متبعٌ عليه قبل أن يعرف صحته فهو متبع لهم، فيجب أن يكون محمودًا على ذلك وأن يستحقَّ الرضوان، ولو كان اتباعهم تقليدًا محضًا كتقليد بعض المفتين لم يستحقَّ من اتبعهم الرضوانَ إلا أن يكون عاميًّا، فأما العلماء المجتهدون فلا يجوز لهم اتباعهم حينئذٍ.

فإن قيل: اتباعهم هو أن يقول ما قالوا بالدليل، وهو سلوك سبيل الاجتهاد؛ لأنهم إنما قالوا بالاجتهاد، والدليل عليه قوله: {بِإِحْسَانٍ}، ومن قلَّدهم لم يتبعهم بإحسان، لأنه لو كان مطلق الاتباع محمودًا لم يفرق بين الاتباع بإحسان أو بغير إحسان. وأيضًا فيجوز أن يُراد به اتباعهم في أصل الدين، وقوله: {بِإِحْسَانٍ} أي بالتزام الفرائض واجتناب المحارم، ويكون المقصود أن السابقين قد وجب لهم الرضوان، وإن أساؤوا؛ لقوله: «وما يُدرِيك أن الله قد اطَّلعَ على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غَفرتُ


(١) اعتمد المؤلف في بيانها على كلام شيخه في «تنبيه الرجل العاقل» (ص ٥٣٢ وما بعدها).
(٢) سيأتي الوجه الثاني بعد ٩ صفحات، وبعدها الوجوه الأخرى.
(٣) ك والمطبوع: «الدلالة». والمثبت من ز موافق لما في «تنبيه الرجل العاقل».