للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين أن يخلّف الميت وفاء أو لم يخلّفه. وأيضًا فالميت أحوجُ إلى ضمان دَينه من الحيّ لحاجته إلى تبريد جلدته ببراءة ذمته وتخليصه من ارتهانه بالدين. وأيضًا فإن ذمة الميت وإن خرِبتْ من وجه ــ وهو تعذُّر (١) مطالبته ــ لم تخرَبْ من جهة بقاء الحق فيها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس من ميّتٍ يموت إلا وهو مرتهنٌ بدَينه» (٢)، ولا يكون مرتهنًا وقد خربت ذمته. وأيضًا فإنه لو (٣) خرِبت ذمته لبطل الضمان بموته؛ فإن الضامن فرعه، وقد خربت ذمة الأصل، فلما استُدِيم (٤) الضمان ولم يبطل بالموت عُلِم أن الضمان لا ينافي الموت؛ فإنه لو نافاه ابتداءً لنافاه استدامةً؛ فإن هذا من الأحكام التي لا يفرَّق فيها بين الدوام والابتداء لاتحاد سبب الابتداء والدوام فيها. فظهر أن القياس المحض مع السنة الصحيحة، والله الموفق.

المثال الثاني والسبعون: ترك السنن الثابتة الصحيحة الصريحة المحكمة في جمع التقديم والتأخير بين الصلاتين للعذر، كحديث أنس: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تَزِيغَ الشمس أخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما» (٥). وفي لفظٍ له: «كان رسول الله (٦) - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخَّر الظهر حتى يدخل وقت العصر،


(١) ت: «متعذر».
(٢) رواه الدارقطني (٢٩٨٤) والبيهقي (٦/ ٧٣). قال البيهقي: عطاء بن عجلان ضعيف، والروايات في تحمل أبي قتادة دين الميت أصح.
(٣) ت: «ولو».
(٤) ت: «استدمتم».
(٥) رواه البخاري (١١١١) ومسلم (٧٠٤).
(٦) د: «النبي».