للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلق كثير (١). وقد اختلفت الحنفية في أبي يوسف ومحمد وزفر بن الهذيل، والشافعية في المزني وابن سريج وابن المنذر ومحمد بن نصر المروزي، والمالكية في أشهب وابن عبد الحكم وابن القاسم وابن وهب، والحنابلة في ابن حامد (٢) والقاضي: هل كان هؤلاء مستقلِّين بالاجتهاد، أو متقيِّدين بمذاهب أئمتهم؟ على قولين. ومن تأمَّل أحوال هؤلاء وفتاويهم واختياراتهم علِمَ أنهم لم يكونوا مقلِّدين لأئمتهم في كلِّ ما قالوه، وخلافُهم لهم أظهر من أن يُنكَر، وإن كان منهم المستقِلّ والمستكثر. ورتبة هؤلاء دون رتبة الأئمة في الاستقلال بالاجتهاد.

فصل

النوع الثالث: من هو مجتهد في مذهب من انتسب إليه، مقرِّر له بالدليل، متقن لفتاويه، عالم بها؛ لكن لا يتعدَّى أقواله وفتاويه ولا يخالفها، وإذا وجد نصَّ إمامه لم يعدِل عنه إلى غيره البتة. وهذا شأن أكثر المصنِّفين في مذاهب أئمتهم، وهو حال أكثر علماء الطوائف. وكثير منهم يظن أنه لا حاجة به إلى معرفة الكتاب والسنة والعربية، لكونه مجتزئًا (٣) بنصوص إمامه، فهي عنده كنصوص الشارع، قد (٤) اكتفى بها من كلفة التعب والمشقة، وقد كفاه الإمام استنباطَ الأحكام ومؤنةَ استخراجها من


(١) انظر: «صفة الفتوى» لابن حمدان (ص ١٧).
(٢) في النسخ المطبوعة: «أبي حامد»، تصحيف.
(٣) ز: «مجتزي».
(٤) ب: «وقد».