للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يأبى أن يتكلَّم بلا حجة، والسائل يأبى قبول قوله بلا دليل.

ثم طال الأمد، وبعد العهد بالعلم، وتقاصرت الهمم، إلى أن صار بعضهم يجيب بـ «نعم» أو «لا» فقط، ولا يذكر للجواب دليلًا ولا مأخذًا، ويعترف بقصوره وفضلِ من يفتي بالدليل.

ثم نزلنا درجةً أخرى إلى أن وصلت الفتوى إلى عيب من يفتي بالدليل وذمِّه. ولعله أن يحدث للناس طبقة أخرى لا يُدرى ما حالهم في الفتاوى! والله المستعان.

الفائدة الرابعة والستون: هل يجوز للمستفتي تقليد الميت إذا علم عدالته وأنه مات عليها من غير أن يسأل الحي؟ فيه وجهان لأصحاب أحمد والشافعي، أصحُّهما: له ذلك، فإن المذاهب لا تبطل بموت أصحابها، ولو بطلت بموتهم لبطل ما بأيدي الناس من الفقه عن أئمتهم، ولم يسُغ لهم تقليدهم والعمل بأقوالهم. وأيضًا لو بطلت أقوالهم بموتهم لم يُعتدَّ بهم في الإجماع والنزاع (١). ولهذا لو شهد الشاهدان، ثم ماتا بعد الأداء وقبل الحكم بشهادتهما، لم تبطل شهادتهما. وكذلك الراوي لا تبطل روايته بموته، فكذلك المفتي لا تبطل فتواه بموته.

ومن قال: تبطل فتواه بموته قال: أهليته زالت بموته. ولو عاش لوجب عليه تجديد الاجتهاد، ولأنه قد يتغيَّر اجتهاده.

وممن حكى الوجهين في المفتي: أبو الخطاب (٢) فقال: إن مات


(١) انظر: «أدب المفتي» (ص ١٦٠)، و «صفة الفتوى» (ص ٧٠ - ٧١).
(٢) في «التمهيد في أصول الفقه» (٤/ ٣٩٤). ونقل عنه في «صفة الفتوى».