للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بُرْقان عن ميمون بن مِهران قال: كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكمٌ نظَرَ في كتاب الله تعالى، فإن وجد فيه ما يقضي به قضَى به. وإن لم يجد في كتاب الله نظَر في سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن وجد فيها ما يقضي به قضَى به. فإذا (١) أعياه ذلك سأل الناسَ: هل علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضَى فيه بقضاء؟ فربما قام إليه القومُ، فيقولون: قضَى فيه بكذا وكذا. فإن لم يجد سنّةً سنَّها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جمَع رؤساءَ الناس، فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به. وكان عمر يفعل ذلك، فإذا أعياه أن يجد ذلك في الكتاب والسنَّة سأل: هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء؟ فإن كان لأبي بكر قضاءٌ قضى به، وإلا جمَع علماءَ الناس، واستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به (٢).

وقال أبو عبيد: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عُمارة بن عُمَير، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود قال: أكثرَوا عليه ذاتَ يوم فقال: إنه قد أتى علينا زمانٌ ولسنا نقضي، ولسنا هناك؛ ثم إنَّ الله بلَّغنا ما ترون. فمَن عُرِض عليه قضاءٌ بعد اليوم فليقضِ بما في كتاب الله. فإن جاءه أمرٌ ليس في كتاب الله ولا قضَى به نبيُّه - صلى الله عليه وسلم -، فليقضِ بما قضَى به الصالحون. فإن جاءه أمرٌ ليس في كتاب الله، ولا قضى به نبيُّه - صلى الله عليه وسلم -، ولا قضى به الصالحون؛ فليجتهِدْ رأيَه، ولا يقل: إني أرى، وإني أخاف؛ فإنَّ [٣٤/أ] الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبين ذلك مشتبهات، فدَعْ ما يَريبك إلى ما لا يريبك (٣).


(١) في النسخ المطبوعة: "فإن".
(٢) رواه الدارمي (١٦٣)، والإسماعيلي في "المعجم" (١/ ٤١٧ - ٤١٨)، والبيهقي في "السنن الكبير" (١٠/ ١١٤)؛ من طرق عن جعفر به. وميمون بن مهران لم يُدرك أبا بكر - رضي الله عنه -.
(٣) رواه النسائي في "المجتبى" (٥٣٩٧)، وقال: "هذا الحديث جيد جيد". وفي سند الأثر اختلافٌ على الأعمش في تعيين شيخ عمارة بن عمير، لكنه اختلافٌ لا يضرّ؛ فليُنظر: "المسند" للدارمي (١٧١، ١٧٢)، و"المجتبى" للنسائي (٥٣٩٨)، و"العلل" للدارقطني (٥/ ٢١٠ - ٢١١)، و"تحفة الأشراف" للمزي (٧/ ١٨)، و"موافقة الخُبر الخَبر" لابن حجر (١/ ١١٩).