للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان زيادةً في إضاعة المال. وما يراد من التشفِّي وإذاقة الجاني ألمَ الإتلاف فحاصلٌ بالغرم غالبًا، ولا التفاتَ إلى الصور النادرة التي لا يتضرَّر الجاني فيها بالغُرم. ولا شك أن هذا أليق بالعقل، وأبلغ في الصلاح، وأوفق للحكمة.

وأيضًا فإنه لو شرع القصاص في الأموال ردعًا للجاني لبقي جانبُ المجني عليه غيرَ مُراعًى، بل يبقى متألّمًا موتورًا غيرَ مجبور، والشريعة إنما جاءت بجبر هذا وردع هذا.

فإن قيل: فخيِّروا المجنيَّ عليه بين أن يغرِّم الجاني أو يُتلف عليه نظيرَ ما أتلفه هو، كما خيَّرتموه في الجناية على طرفه، وخيَّرتم أولياء القتيل بين إتلاف الجاني النظير وبين أخذ الدية.

قيل: لا مصلحة في ذلك للجاني ولا للمجني عليه ولا لسائر الناس. وإنما هو زيادة فساد، لا مصلحة فيه، لمجرَّد (١) التشفِّي، ويكفي تغريمه وتعزيره في التشفِّي. والفرق بين الأموال والدماء في ذلك ظاهر، فإن الجناية على النفوس والأعضاء تُدخل من الغيظ والحنق والعداوة على المجنيِّ عليه وأوليائه ما لا تُدخله جنايةُ المال، وتُدخل (٢) عليهم من الغضاضة والعار واحتمال الضيم والحميَّة والتحرُّق (٣) لأخذ الثأر ما لا يجبُره المال أبدًا، حتى إن أولادهم وأعقابهم لَيعيَّرون بذلك. ولأولياء القتيل من القصد في


(١) في النسخ المطبوعة: «بمجرد»، تصحيف.
(٢) أهمل حرف المضارع فيما عدا ف. وفي النسخ المطبوعة: «ويدخل».
(٣) في المطبوع: «التحزُّق» بالزاي، تصحيف.