للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يكن أحدٌ بعده أشدَّ عليه الاختلافُ من عمر - رضي الله عنه -. وأمّا الصدِّيق فصان الله خلافته عن الاختلاف المستقرِّ في حكم واحد من أحكام الدين. وأما خلافة عمر فتنازَع الصحابةُ تنازُعًا يسيرًا في قليل من المسائل جدًّا، وأقرَّ بعضُهم بعضًا على اجتهاده من غير ذمٍّ ولا طعن. فلما كانت خلافة عثمان اختلفوا في مسائل يسيرة، صحبَ الاختلافَ فيها بعضُ الكلام واللَّوم، كما لام عليٌّ عثمانَ في أمر المتعة (١) وغيرها. ولامه عمار بن ياسر وعائشة في بعض مسائل قسمة الأموال والولايات. فلما أفضت الخلافة إلى عليٍّ صار الاختلاف بالسيف.

والمقصود أن الاختلاف منافٍ لما بعث الله به رسوله. قال عمر - رضي الله عنه -: لا تختلفوا، فإنكم إن اختلفتم كان مَن بعدَكم أشدَّ اختلافًا (٢). ولما سمع أُبيَّ بن كعب وابنَ مسعود (٣) يختلفان في صلاة الرجل في الثوب الواحد أو الثوبين صعد المنبر وقال: رجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -[١٥٥/ب] اختلفا، فعن أيِّ فتياكم يصدر المسلمون؟ لا أسمع اثنين اختلفا بعد مقامي هذا إلا صنعتُ وصنعتُ (٤).


(١) يعني: حجَّ التمتع. انظر ما سبق في (١/ ١٢٠).
(٢) سبق نحوه في (١/ ١١٦).
(٣) ت: «ابن مسعود وأُبي بن كعب».
(٤) رواه (دُونَ طرفه الأخير) ابن أبي شيبة (٣٢٠٧)، والدارقطني في «العلل» (٢/ ١٠٤)، والبيهقي (٢/ ٢٣٨) من رواية أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. ورواه عبد الرزاق (١٣٨٤) عن معمر، عن قتادة، عن الحسن منقطعًا. ويُنظر: «العلل» للدارقطني (٢/ ١٠٣)، و «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (١٧١٣).