للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ممن نصب نفسه للفتوى أنه كان يقول: إن الذي لصديقي عليَّ إذا وقعت له حكومةٌ أو فتيا أن أفتيه بالرواية التي توافقه. قال: وأخبرني من أثق به أنه وقعت له واقعة، فأفتاه جماعة من المفتين بما يضرُّه، وكان غائبًا فلما حضر سألهم بنفسه، فقالوا: لم نعلم أنها لك، وأفتَوه بالرواية الأخرى التي توافقه. قال: وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يُعتدُّ بهم في الإجماع أنه لا يجوز.

وقد قال مالك في اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم -: «مخطئ، ومصيب؛ فعليك بالاجتهاد» (١).

وبالجملة، فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهِّي والتخيُّر وموافقة الغرض، فيطلبَ القولَ الذي يوافق غرضَه وغرضَ من يحابيه، فيعمل به، ويفتي ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضدِّه. وهذا من أفسق الفسوق، وأكبر الكبائر. والله المستعان (٢).

الفائدة التاسعة والعشرون: المفتون الذين نصبوا أنفسهم للفتوى أربعة أقسام:

أحدها (٣): العالم بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة. فهو


(١) «جامع بيان العلم وفضله» (٢/ ٩٠٦). والمؤلف صادر عن «أدب المفتي».
(٢) في (ك، ب) بعده زيادة: «وعليه التكلان».
(٣) في النسخ المطبوعة: «أحدهم».