للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المناسبة؛ فإن القاذف غيره بالزنا لا سبيل للناس إلى العلم بكذبه، فجُعِل حدُّ الفرية تكذيبًا له، وتبرئةً لعرض المقذوف، وتعظيمًا لشأن هذه الفاحشة التي يُجلَد من رمى بها مسلمًا. وأما من رمى غيره بالكفر، فإنَّ شاهدَ حال المسلم واطلاع المسلمين عليها كافٍ في تكذيبه، ولا يلحقه من العار بكذبه (١) عليه في ذلك ما يلحقه بكذبه عليه في الرمي بالفاحشة؛ ولا سيما إن كان المقذوف امرأة، فإنَّ العار والمعرَّة التي تلحقها بقذفِه بين أهلها، وتشعُّبِ ظنون الناس وكونِهم بين مصدِّق ومكذِّب= لا يلحق مثله بالرمي بالكفر.

فصل

وأما اكتفاؤه في القتل بشاهدين دون الزنا، ففي غاية الحكمة والمصلحة؛ فإن الشارع احتاط للقصاص [٢٨٥/ب] والدماء، واحتاط لحدِّ الزنا. فلو لم يقبل في القتل إلا أربعةً لضاعت الدماء، وتواثب العادون، وتجرؤوا على القتل. وأما الزنا فإنه بالغَ في سَتْره كما قدَّر الله سترَه، فاجتمع على ستره شرعُ الله وقدرُه، فلم يقبل فيه إلا أربعة يصفون الفعل وصف مشاهدة ينتفي معها الاحتمال. وكذلك في الإقرار، لم يكتف بأقلَّ من أربع مرات حرصًا على ستر ما قدَّر الله سترَه، وكرِه إظهارَه، والتكلُّمَ به، وتواعَدَ (٢) مَن يُحِبُّ إشاعته في المؤمنين بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.


(١) في المطبوع: «في كذبه».
(٢) كذا في النسخ الخطية، وسيأتي مرة أخرى (٤/ ٢٩٢). وقد استعمله المصنف بمعنى توعَّد في «طريق الهجرتين» (١/ ٦٣٠) و «الداء والدواء» (ص ٤٨٦) أيضًا. وفي النسخ المطبوعة: «وتوعَّد»، ولعله من تصرف الناشرين.