للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحتالَ فضلاؤهم في ردِّها بكل ممكن، وتطلَّبوا لها وجوه الحِيَل التي تردُّها، حتى إذا كانت موافقةً لمذاهبهم وكانت تلك الوجوه بعينها قائمةً فيها شنَّعوا على مُنازعِهم، وأنكروا عليه ردَّها بمثل تلك الوجوه بعينها، وقالوا: لا تُردُّ النصوص بمثل هذا. ومَن له همةٌ تسمو إلى الله ومرضاته ونَصْرِ الحق الذي بَعَثَ به رسولَه أين كان ومع من كان، لا يرضى لنفسه بمثل هذا المسلك الوخيم والخُلُق الذميم.

الوجه الحادي والعشرون: أن الله سبحانه ذمّ {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: ٣٢]، وهؤلاء هم أهل التقليد بأعيانهم، بخلاف أهل العلم؛ فإنهم وإن اختلفوا لم يفرِّقوا دينهم ولم يكونوا شِيَعًا، بل شيعة واحدة متفقة على طلب الحق، وإيثارِه عند ظهوره، وتقديمِه على كلّ ما سواه، فهم طائفة واحدة قد اتفقت مقاصدهم وطريقهم؛ فالطريق واحد، والقصد واحد، والمقلّدون بالعكس: مقاصدهم شتَّى، وطُرُقهم مختلفة، فليسوا مع الأئمة في القصد ولا في الطريق.

الوجه الثاني والعشرون: أن الله سبحانه ذمَّ الذين تقطَّعوا أمرهم بينهم زُبرًا، كل حزبٍ بما لديهم فرحون. والزُّبر: الكتب المصنَّفة التي رَغِبوا بها عن كتاب الله وما بعث الله به رسوله، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا [٢٤/ب] أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: ٥١ - ٥٣] فأمر تعالى الرسلَ بما أمر به أُممَهم: أن يأكلوا من الطيبات، وأن يعملوا صالحًا، وأن يعبدوه وحده، ويطيعوا أمره وحده، وأن لا يتفرَّقوا في الدين؛