للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المقلّدون: بل عند الاختلاف نتمسّك بقول من قلّدناه، ونقدِّمه على كل ما عداه.

وأما هَدْي الصحابة فمن المعلوم بالضرورة أنه لم يكن فيهم شخص واحد يقلِّد رجلًا في جميع أقواله، ويخالف من عداه من الصحابة بحيث لا يردُّ من أقواله شيئًا، ولا يقبل من أقوالهم شيئًا، وهذا من أعظم البدع وأقبح الحوادث.

وأما مخالفتهم لأئمتهم فإن الأئمة نَهَوا عن تقليدهم وحذَّروا منه، كما تقدَّم ذكرُ بعضِ ذلك عنهم (١).

وأما سلوكهم ضدَّ طريق أهل العلم فإن طريقهم طلبُ أقوال العلماء وضبطها والنظر فيها وعرضُها على القرآن والسنن الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقوال خلفائه الراشدين، فما وافق ذلك منها قبلوه، ودانوا الله به، وقضَوا به، وأفتَوا به، وما خالف ذلك منها لم يلتفتوا إليه وردُّوه، وما لم يتبيَّنْ لهم كان عندهم من مسائل الاجتهاد التي غايتها أن تكون سائغةَ الاتباع لا واجبةَ الاتباع، من غير أن يُلزِموا بها أحدًا، ولا يقولوا: إنها الحقُّ دون ما خالفها، هذه طريقة أهل العلم [٢٤/أ] سلفًا وخلفًا.

وأما هؤلاء الخلف فعكسوا الطريق، وقلبوا أوضاعَ الدين، فزيَّفوا (٢) كتاب الله وسنة رسوله وأقوال خلفائه وجميع أصحابه، فعرضوها على أقوال من قلَّدوه، فما وافقها منها قالوا لنا وانقادوا له مُذعِنين، وما خالف أقوال متبوعهم منها قالوا: احتجّ الخصم بكذا وكذا، ولم يقبلوه، ولم يدينوا به.


(١) (٣/ ٣٨).
(٢) ع: «فرفضوا».