للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمنعهم من ربا الفضل لما يخافه عليهم من ربا النسيئة. وذلك أنهم إذا باعوا درهمًا بدرهمين، ولا يُفعَل هذا إلا للتفاوت الذي بين النوعين ــ إما في الجودة، وإما في السِّكَّة (١)، وإما في الثقل والخفَّة، وغير ذلك ــ تذرَّعُوا بالربح المعجَّل فيها إلى الربح المؤخَّر، وهو عين ربا النسيئة، وهذه ذريعة قريبة جدًّا. فمن حكمة الشارع أن سدَّ عليهم هذه الذريعة، ومنَعهم من بيع درهم بدرهمين نقدًا ونسيئةً. فهذه حكمة معقولة مطابقة للعقول، وهي تسُدُّ عليهم باب المفسدة.

فإذا تبيَّن هذا فنقول: الشارع نصَّ على تحريم ربا الفضل في ستة أعيان، وهي: الذهب، والفضة، والبُرّ، والشعير، والتمر، والملح. فاتفق الناس على تحريم التفاضل فيها مع اتحاد الجنس، وتنازعوا فيما عداها. فطائفة قصَرت [٣٣٣/ب] التحريمَ عليها، وأقدَمُ مَن يُروى عنه هذا قتادة، وهو مذهب أهل الظاهر، واختيار ابن عقيل في آخر مصنَّفاته مع قوله بالقياس، قال: لأن علل القيَّاسين (٢) في مسألة الربا علل ضعيفة، وإذا لم تظهر فيه علة امتنع القياس.

وطائفة حرَّمته في كلِّ مكيل وموزون بجنسه. وهذا مذهب عمار (٣)


(١) يعني: في صفة الصياغة وطريقتها.
(٢) في النسخ المطبوعة: «القياسيين»، وقد سبق له نظائر. وفي «جامع المسائل» (٨/ ٢٨٥): «القياس».
(٣) رواه ابن أبي شيبة (٢٠٨٠٠)، والطحاوي في «بيان المشكل» (٣/ ٣٣٨) من طريق رِيَاحِ بن الحارث عنه، وسندُه جيِّدٌ.