للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأما الأصناف الأربعة المطعومة، [٣٣٤/ب] فحاجةُ الناس إليها أعظمُ من حاجتهم إلى غيرها؛ لأنها أقوات العالم، وما يُصلحها. فمن رعاية مصالح العباد أن مُنِعوا من بيع بعضها ببعض إلى أجل، سواء اتحد الجنس أو اختلف، ومُنِعوا من بيع بعضها ببعض حالًا متفاضلًا وإن اختلفت صفاتها، وجُوِّز لهم التفاضل فيها مع اختلاف أجناسها.

وسرُّ ذلك ــ والله أعلم ــ أنه لو جُوِّز بيعُ بعضها ببعض نَساءً لم يفعل ذلك أحد إلا إذا ربح، وحينئذ تشِحُّ نفسُه ببيعها حالَّةً، لطمعه في الربح، فيعزُّ الطعام على المحتاج، ويشتدُّ ضررُه. وعامة أهل الأرض ليس عندهم دراهم ولا دنانير، ولا سيما أهل العمود والبوادي، وإنما يتناقلون الطعام بالطعام. فكان من رحمة الشارع بهم وحكمته أن منعهم من ربا النَّساء فيها، كما منَعهم من ربا النساء في الأثمان؛ إذ لو جُوِّز لهم النَّساء فيها لدخلها: «إما أن تَقضي وإما أن تُربي» (١)، فيصير الصاع الواحد (٢) قُفْزانًا كثيرةً، ففُطِموا عن النَّساء، ثم فُطِموا عن بيعها متفاضلًا يدًا بيدٍ، إذ تجرُّهم حلاوةُ الربح وظفرُ الكسب إلى التجارة فيها نَساءً، وهو عين المفسدة.

وهذا بخلاف الجنسين المتباينين، فإن حقائقهما وصفاتهما ومقاصدهما مختلفة، ففي إلزامهم المساواةَ في بيعها إضرارٌ بهم، ولا يفعلونه. وفي تجويز النَّساء بينها ذريعةٌ إلى: «إما أن تَقضي وإما أن تُربي»، فكان من تمام رعاية مصالحهم أن قصَرهم على بيعها يدًا بيد كيف شاؤوا،


(١) يُنظر: «الموطأ» لمالك، عقب الفقرة (٢٤٨٢).
(٢) بعده في النسخ المطبوعة زيادة: «لو أخذ».