للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كرائحة الخمر وقيئها، وحبَل من لا زوج لها ولا سيِّد، ووجود المسروق في دار السارق وتحت ثيابه= أولى بالعقوبة ممن قامت عليه شهادةُ إخباره عن نفسه التي تحتمل الصدق والكذب. وهذا متفق عليه بين الصحابة، وإن نازع فيه بعض الفقهاء. وإما أن تكون الحجة من خارجٍ عنهم، وهي البينة. واشترط فيها العدالة وعدم التهمة، فلا أحسن في العقول والفِطَر من ذلك، ولو طُلِب منها الاقتراح لم تقترح أحسنَ من ذلك ولا أوفقَ منه للمصلحة.

فإن قيل: كيف تدَّعون أن هذه العقوبات لاصقة بالعقول موافقة للمصالح، وأنتم تعلمون أنه لا شيء بعد الكفر بالله أفظع ولا أقبح من سفك الدماء، فكيف تردعون عن سفك الدم بسفكه؟ وهل مثال ذلك إلا إزالة نجاسة بنجاسة؟ ثم لو كان ذلك مستحسنًا لكان أولى أن يُحرَّقَ ثوبُ مَن حرَّق (١) ثوبَ غيره، وأن يُذبَح حيوانُ مَن ذبَح حيوانَ غيره، وأن تُخرَّب دارُ مَن خرَّب دارَ غيره، وأن تُجوِّزوا لمن شُتِم أن يشتُم شاتمَه. وما الفرق في صريح العقل بين هذا وبين قتلِ مَن قتلَ غيره أو قطعِ من قطَعه؟ وإذا كان إراقة الدم الأول (٢) مفسدةً وقطعُ الطَّرَف كذلك، فكيف زالت [٣٠٩/ب] تلك المفسدة بإراقة الدم الثاني وقطع الطرف الثاني؟ وهل هذا إلا مضاعفة للمفسدة وتكثير لها؟ ولو كانت المفسدة الأولى تزول بهذه المفسدة الثانية لكان فيه ما فيه، إذ كيف تُزال مفسدةٌ بمفسدة نظيرها من كلِّ وجه؟ فكيف والأُولى لا سبيل إلى إزالتها؟ وتقرير ذلك بما ذكرناه من عدم إزالة مفسدة تحريق الثياب وذبح المواشي وخراب الدور وقطع الأشجار بمثلها. ثم كيف


(١) ح، ف: «يخرَّق ... خرَّق» بالخاء المعجمة.
(٢) ح، ف: «الاقل»، تصحيف.