للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَسُن أن يعاقَب السارق بقطع يده التي اكتسب بها السرقة، ولم تحسُن عقوبة الزاني بقطع فرجه الذي اكتسب به الزنا، ولا القاذفِ بقطع لسانه الذي اكتسب به القذف، ولا المزوِّرِ على الإمام والمسلمين بقطع أنامله التي اكتسب بها التزوير، ولا الناظرِ إلى ما لا يحلُّ له بقلع عينه التي اكتسب بها الحرام؟ فعُلِمَ أن الأمر في هذه العقوبات جنسًا وقدرًا وسببًا ليس بقياس، وإنما هو محض المشيئة، ولله التصرُّف في خلقه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

فالجواب ــ وبالله التوفيق والتأييد ــ من طريقين: مجمل، ومفصل.

أما المجمل، فهو أنَّ مَن شرَع هذه العقوبات ورتَّبها على أسبابها جنسًا وقدرًا فهو عالم الغيب والشهادة، وأحكم الحاكمين، وأعلم العالمين، ومن أحاط بكلِّ شيء علمًا، وعلِمَ ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، وأحاط علمُه بوجوه المصالح دقيقها وجليلها خفيِّها (١) وظاهرها، ما يمكن [٣١٠/أ] اطلاعُ البشر عليه وما لا يمكنهم. وليست هذه التخصيصات والتقديرات خارجةً عن وجوه الحِكَم (٢) والغايات المحمودة، كما أن التخصيصات والتقديرات الواقعة في خلقه كذلك. فهذا في خلقه، وذاك في أمره. ومصدرهما جميعًا عن كمال علمه وحكمته ووضعِه كلَّ شيء في موضعه الذي لا يليق به سواه ولا يتقاضى إلا إياه؛ كما وضع قوةَ البصر والنور الباصر (٣) في العين، وقوةَ السمع في الأذن، وقوةَ الشَّمِّ في الأنف،


(١) ع: «وخفيِّها».
(٢) ح، ف: «الحكمين». ع: «الحكمة».
(٣) في النسخ المطبوعة: «للباصر».