للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخذنا بحديث النهي عن بيع الرطب بالتمر مطلقًا، وأخذنا بحديث العرايا وخصصنا به عمومَ حديث النهي عن بيع الرطب بالتمر؛ اتباعًا لسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها، وإعمالًا لأدلة الشرع جميعها، فإنها كلها حق، ولا يجوز ضرب الحق بعضه ببعض وإبطال بعضه ببعض، والله الموفق.

المثال الثاني والعشرون (١): [٨٠/أ] ردُّ حديث القَسامة الصحيح الصريح المحكم (٢) بالمتشابه من قوله: «لو يُعطَى الناسُ بدعواهم لادَّعى رجالٌ دماءَ رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» (٣). والذي شرع الحكم بالقسامة هو الذي شرع أن لا يُعطَى أحد بدعواه المجردة، وكلا الأمرين حق من عند الله، لا اختلاف فيه، ولم يُعطَ في القسامة بمجرد الدعوى، وكيف يليق بمن بهرتْ حكمةُ شرعه العقولَ أن لا يعطي المدّعي بمجرد دعواه عُودًا من أَراكٍ ثم يعطيه بدعوى مجردة دمَ أخيه المسلم؟ وإنما أعطاه ذلك بالدليل الظاهر الذي يغلب على الظن صدقُه فوق تغليب الشاهدين، وهو اللَّوث (٤) والعداوة والقرينة الظاهرة من وجود العدو مقتولًا في بيت عدوه، فقوَّى الشارع الحكيم (٥) هذا السبب باستحلاف خمسين من أولياء القتيل الذين يبعد أو يستحيل اتفاقهم كلهم على رمي البريء بدمٍ ليس منه بسبيل، ولا يكون فيهم رجل رشيدٌ يراقب الله؟ ولو عُرِض على جميع


(١) ت: «الثاني والخمسون».
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) رواه البخاري (٤٥٥٢) ومسلم (١٧١١) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٤) ع: «الموت» تحريف.
(٥) ع: «الحكم».