للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العقلاء هذا الحكم والحكم بتحليف العدو الذي وُجِد القتيل في داره بأنه ما قتله لرأوا أن ما (١) بينهما من العدل كما بين الأرض والسماء، ولو سئل كل سليم الحاسّة (٢) عن قاتل هذا لقال من وُجِد في داره، والذي يقضى منه العجب أن يُرى قتيل يتشحَّطُ في دمه وعدوه هاربٌ بسكينٍ ملطَّخةٍ بالدم ويقال: القول قوله، فيستحلفه بالله ما قتلَه ويخلّي سبيله، ويقدم ذلك على أحسن الأحكام وأعدلها وألصقها بالعقول والفطر، الذي لو اتفقت العقلاء لم يهتدوا لأحسنَ منه، بل ولا لمثله.

وأين ما يتضمنه الحكم بالقسامة من حفظ الدماء إلى ما يتضمنه تحليف من لا يشكّ مع القرائن التي تفيد القطع أنه الجاني؟

ونظير هذا إذا رأينا رجلًا من أشراف الناس حاسرَ الرأس بغير عمامة، [٨٠/ب] وآخر أمامه يشتدُّ عدْوًا وفي يده عمامة وعلى رأسه أخرى؛ فإنا ندفع العمامة التي بيده إلى حاسر الرأس ونقبل قوله، ولا نقول لصاحب اليد: القول قولك مع يمينك.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لو يُعطى الناسُ بدعواهم» لا يعارض القسامة بوجهٍ؛ فإنه إنما نفى (٣) الإعطاء بدعوى مجردة.

وقوله: «ولكن اليمين على المدَّعى عليه» هو في مثل هذه الصورة حيث لا يكون مع المدعي إلا مجرد الدعوى، وقد دلّ القرآن على رجم المرأة بلعان الزوج إذا نكلَتْ، وليس ذلك إقامةً للحد بمجرد أيمان الزوج، بل بها


(١) «ما» ساقطة من ت.
(٢) ت: «الحاسية».
(٣) ت: «بقي» تصحيف.